بعد مسيرة طويلة في ملاعب كرة القدم، اعتزل كارلوس تيفيز اللعب، لكن قصته، على الرغم من ذلك، ستبقى بين القصص الأكثر إلهاماً في عالم كرة القدم. تعرَّفوا إلى حكاية “الأباتشي”.
لم تكن تلك الندبة، الممتدة من وجهه ورقبته نزولاً حتى صدره، إلّا تذكاراً لاستمراره في قيد الحياة، ومن أين أتى وإلى أين سيعود، بعد أن تعرّض لحرق من الدرجة الثالثة كاد يُنهي حياته بسبب الماء المغلي، عندما كان يبلغ من العمر 10 أشهر، إذ استمر في العناية مدة شهرين.
منذ تلك اللحظة، ومع نضوجه يوماً بعد يوم، قرر اللاعب الأرجنتيني، كارلوس تيفيز، الاحتفاظ بهذه الندبة، لترافقه طوال مسيرته الاحترافية في عالم كرة القدم. وعلى الرغم من كل العروض لإزالتها فإنه رفض، بحيث يعلّق على الأمر قائلاً: “إمّا أن تتقبلني كما أنا، وإمّا لا تتقبلني نهائياً”، كما يعدّ تيفيز ندوبه وشماً خاصّاً به.
صاحب تلك الندوب، الذي خرج من رحم المعاناة ليصبح من أشهر اللاعبين في عالم كرة القدم، أعلن اعتزاله رسمياً ممارسة اللعبة عن عمر 38 عاماً، يوم السبت (4 حزيران/يونيو 2022)، إذ لم يخض أي مباراة رسمية منذ منتصف العام الماضي بعد فسخ تعاقده بالتراضي مع بوكا جونيورز الأرجنتيني.
في هذا السياق، تحدّث تيفيز إلى برنامج “أنيماليس سويلتوس” الأرجنتيني قائلاً: “لقد اعتزلت، هذا مؤكد. تلقيت كثيراً من العروض، لكني قدّمت، كلاعب، كل ما لدي”، مضيفاً: “العام الماضي كان صعباً بعد رحيل والدي. استيقظت في أحد الأيام، وقلت لزوجتي إنني لا أريد اللعب مجدداً”.
إذاً، لم يعد قلب كارلوس تيفيز ينبض بكرة القدم. فعلى حد قوله، خسر مشجعه الرقم 1، منذ أن كان في سن الثامنة؛ والده الذي كان يحضر إلى الملعب بصورة مستمرة لتشجيعه ودعمه. واللافت أن سيغوندو رامينودو تيفيز هو والد كارلوس بالتبني، بحيث تبناه في سن الخامسة، بعد أن توفي والده ضرباً بالرصاص، وهو ما جعل اللاعب، طوال حياته، يكنّ له احتراماً وحباً كبيرين بسبب دوره في مسيرته فيما بعد. وإذا توقفنا عند وفاة والده ضرباً بالرصاص، فسنذهب لنبحث عن قصة حياته وتفاصيلها.
من بين العصابات والرصاص.. تيفيز إلى العالمية
اقرأ أيضاً : ليفربول قد يخسر 13 لاعباً من فريقه دفعة واحدة
يقول تيفيز: “في طفولتي، كانت هناك أوقات صعبة. عندما يأتي الظلام تنظر من النافذة فترى مناظر مرعبة. وبعد ساعة معينة لا يمكنك الخروج إلى الشارع. كنت أستطيع أن أبدأ بالمخدِّرات، ثم ينتهي بي الأمر في القاع. وعلى الرغم من ذلك، فإنني عشت طفولة لطيفة، تعلمت منها الاحترام والتواضع والتضحية”.
الحيّ، الذي وُلد وعاش فيه تيفيز، أجبره على تعلم الكثير، وعلى الصراع الدائم والمتواصل مع نفسه. وُلد تيفيز في الـ5 من شباط/فبراير 1984، في ضاحية “سيوداديلا ف” في مدينة بيونس آيرس، وترعرع في حي “إيرغستو دي لوس أندس”، المعروف باسم “فويرتي أباتشي”. ومن هنا حصل على لقب “الأباتشي” فيما بعد.
“فويرتي أباتشي” واحد من أخطر الأحياء في أميركا الجنوبية، بحيث تكتب العصابات أبجديات الحياة وتقرر مَن الذي يعيش وكيف سيعيش. وإذا كنت تريد الخروج منه، فعليك ألّا تولد فيه. لكن كارلوس تيفيز فعلها وخرج ناجياً، على الرغم من أنه عاش من دون والديه، إذ عملا في تجارة المخدرات، التي فرضت عليهما خوض المعارك والاختباء.
كل تلك الظروف الصعبة، مع مرور الأعوام، علمت تيفيز كيف يكون شخصاً أكثر رصانة وصلابة، ليُلَقَّب من جانب جمهور بوكا بلاعب الشعب، ويقول عنه الراحل دييغو أرماندو مارادونا: “تيفيز نبي الأرجنتين في القرن الـ21”.
لم يكن تيفيز في طفولته محباً لكرة القدم، لكن هذه اللعبة كانت وسيلة لهروبه من الأجواء التي كانت سائدة حيَّ “فويرتي أباتشي”، على الرغم من أن هذه الأجواء لاحقته حتى عندما أصبح لاعباً مشهوراً، بحيث اختُطف والده عندما كان لاعباً في مانشستر سيتي، واضطر إلى دفع فدية بلغت 40 ألف يورو.
كيف انطلقت مسيرة تيفيز وإلى أين وصلت؟
عندما كان تيفيز في سن الخامسة، في عام 1989، قرع مدرب فريق نيويلز أولد بويز للناشئين، نوربرتو بروباتو، باب منزل “بابا” سيغوندو، في محاولة منه لإقناعه بانضمام تيفيز إلى مدرسة لكرة القدم. في تلك الأيام، لم يكن سيغوندو قادراً على شراء حذاء رياضي لكارليتوس من شدة الفقر، وهو الرجل الذي اضطر إلى بيع منزله بسبب خسارته وظيفته من أجل تربية الأطفال الخمسة، ومن بينهم تيفيز. بعد نيويلز أولد بويز، انضم إلى بوكا جونيورز. ومن بوكا انتقل تيفيز إلى كورنثيانز البرازيلي في مقابل نحو 18 مليون يورو، في عام 2015، وهو مبلغ ضخم للغاية في أميركا الجنوبية. أمضى تيفيز موسماً واحداً في البرازيل، سجّل خلاله 25 هدفاً في 38 مباراة، قبل أن يرحل إلى وست هام يونايتد الإنكليزي، في صفقة أثارت كثيراً من الجدل.
في تلك الفترة كان آلان بارديو مدرباً لوست هام، بينما تحدثت التقارير عن ضم موهبتين من الأرجنتين، الأمر الذي عدّه بارديو “سخافة” واستبعد حدوث الأمر. لكن تيفيز وخافيير ماسكيرانو وصلا إلى “الهامرز” في الساعات الأخيرة من “الميركاتو”.
في الجولة الأخيرة من الموسم نفسه (2006-2007)، سجل تيفيز في مرمى مانشستر يونايتد لينتصر فريقه، ويبقى في الدوري الإنكليزي الممتاز، وأنهى الموسم بـ6 أهداف حاسمة في آخر 10 مباريات.
انتقل تيفيز بعدها إلى مانشستر يونايتد في صيف عام 2007، على سبيل الإعارة، مدة موسمين، بحيث حقق المجد هناك بالتتويج بلقب دوري أبطال أوروبا. وفي العام التالي أصبح لاعب يسكن الدكة.
يقول تيفيز عن فترته مع مانشستر يونايتد: “عندما انتقلت إلى مانشستر يونايتد، شعرت بأنني حققت أحد أهم أحلامي. لكن، بعد فترة قصيرة، شعرت بأنه ليس منزلي ولن يصبح كذلك، والسبب هو وجود عدد من الأشخاص المغرورين”.
بعد انتهاء عقد الإعارة، كانت وجهة كارلوس تيفيز قطبَ المدينة نفسها، مانشستر سيتي، بحيث أمضى 4 أعوام، حقق خلالها لقب الدوري الإنكليزي الممتاز، وهو لقب السيتي الأول بعد 44 عاماً. والمفارقة أن السير أليكس فيرغسون، مدرب مانشستر يونايتد السابق، قال إن تيفيز لن يحقق لقب “البريميرليغ” مع السيتي وإذا حدث هذا الأمر “سيكون السير قد مات”، ليرد عليه تيفيز بلافتة كتب فيها “فيرغسون، ارقدْ في سلام”.
وجهة تيفيز الأخيرة في أوروبا كانت يوفنتوس، وبعدها عاد إلى بوكا، وانتقل، فترةً قصيرة، إلى الصين، بينما كانت الوجهة النهائية، حيث يهوى القلب وحيث تميل المشاعر، بوكا جونيورز.
يقول تيفيز عن انتقاله إلى الصين، حيث أصبح اللاعب الأعلى أجراً في العالم بـ41 مليون يورو في ذلك الحين، ولم يستمر إلّا 7 أشهر، وقال إن “الأمر لم يكن من أجل المال، لكنني شعرت بفقدان الرغبة في ممارسة كرة القدم عقب خسارة نهائي ليبرتادوريس عام 2016. أردت أن أمضي بعض الوقت مع العائلة في حياة هادئة”.
إنجازات كارلوس تيفيز
حقق كارلوس تيفيز 25 لقباً في مسيرته مع الأندية، بينها: لقب الدوري الإنكليزي الممتاز 3 مرات (2 مع اليونايتد ولقب مع السيتي)، لقب دوري أبطال أوروبا مرة واحدة، لقب كأس الاتحاد الإنكليزي (1)، كأس الرابطة الإنكليزي (1)، الدوري الإيطالي مع يوفنتوس (2)، كأس إيطاليا (1). ومع بوكا حقق ألقاب الدوري الأرجنتيني (5)، كوبا ليبرتادوريس مع بوكا (1) وكوبا سود أمريكانا (1)، بالإضافة إلى ميدالية ذهبية مع منتخب الأرجنتين في الألعاب الأولمبية، “أثينا 2004”.
المصدر : الميادين نت
اقرأ أيضاً : ناصر الخليفي يغري زيدان براتب خيالي لتدريب الفريق الباريسي