مخطئ من يعتقد أن هدف زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن إلى الشرق الأوسط تأتي على خلفية الأزمة الروسية – الأوكرانية التي هي سبب من جُملة أسباب كثيرة، أبرزها العامل الاقتصادي لكن ليس لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي الذي انهار نتيجة الانقياد الأعمى لسياسة الولايات المتحدة، لكن كرمى لأمريكا نفسها ومن بعدها الكيان الصهيوني.
الوكالة العربية للأنباء
ليس من قراغ أن طرحت وسائل الإعلام “الإسرائيلية” مؤخراً مشروع التكامل الاقتصادي، وهو مشروع لإنشاء نظام نقل واحد في الشرق الأوسط من شأنه أن يربط الكيان الصهيوني بالدول العربية المجاورة، مما يوفر طريقاً لوجستياً غير متقطع من الخليج إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وسبق وأن أعلن أفيغدور ليبرمان عن تفائله بتشكيل مساحة سوق واحدة في المنطقة بعد جولة بايدن في المنطقة، فهل هي صدفة؟ قطعاً لا.
بما يتعلق بالمملكة العربية السعودية والبرود الواضح المعالم في استقبال الزعيم بايدن ليس بسبب انحيازها لروسيا، بل على العكس تماماً، “المرء لا يُلدغ من جحره مرتين”، ولا تثبت الـ 18 اتفاقية الموقعة بين الجانبين السعودي والأمريكي، أي تطلعات مستقبلية بعودة المعسكر الغربي للقوة التي كان عليها في وقتٍ سابق، رغم أن التصريحات الأمريكية قالت إن بايدن يريد ملء الفراغ ليفوت أي فرصة لروسيا والصين وإيران في الشرق الأوسط، لكن سياسة واشنطن الأخيرة، جعلت العرب تتلمس الخطر المرتقب من انقلاب المواقف، وعليه أرى أن هذه الزيارة شكلية لا تعكس تطلعات دول الخليج، على العكس من العراق الذي ارتمى في حضن الأمريكي بشكل علني، بالتالي، الغرب كله بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية، علموا أخيراً أن إخضاع بعض الدول العربية غير ممكن، لكنم من الممكن الاستفادة منها قدر الإمكان، فمثلاً مسألة فتح المجال الجوي السعودي ليست قضية كبيرة لأن ترك الباب موارباً لا يعني فتحه على الآخر، وهذا عشمنا بحكمة المملكة الشقيقة.
لكن، ما يجب التأكيد عليه، أن المنطقة “حبلى” بالتطورات، والعالم على شفير الانقسام الفعلي وليس النظري، إلى معسكرين، وهذا الأمر تنبهت له واشنطن، بايدن يحاول رسم تحالفات المنطقة وفق التطلعات الأمريكية مجدداً، لكن مع تراجع شعبيته في الداخل الأمريكي قبل أي مكان آخر، يبدو أن السياسة الأمريكية الحالية فشلت ولن تحقق الأهداف والتطلعات التي تريد، وهذا الأمر مرهون بقدرة الدول الخليجية في المناورة والرقص على حبال لمصلحة المنطقة العربية وإلغاء الدور الوظيفي للطموحات الإقليمية في المنطقة، فإما أن نتسيد الشرق الأوسط مجدداً أو أننا أمام مشاكل قادمة لا محالة، مع التأكيد أن الكيان الصهيوني سيستمر في زرع الفتن، لكن ربيبته أمريكا ليست في موقعها السابق، وهو ما يعطي بارقة أمل علّ حكامنا تستفيد منها وتستثمرها لصالح شعوب المنطقة.
اليوم وبدون أدنى شك، العالم على شفير الهاوية، وربما للمرة الأولى أتت النزاعات الأخيرة لصالح الأمة العربية، خاصة فيما يتلعق بتصفير المشاكل كالسياسة المتوازنة التي اتبعتها دولة الإمارات والآن تمارسها بشكل واضح المملكة العربية السعودية، وكما هو معروف ان السياسة فن المتغير، هذا لا يعني أن يتحول أعداء اليوم إلى أصدقاء الغد أو بالعكس، لكن فهم العرب أخيراً النقطة الأهم والتي كانوا سبباً في أن تخلوا في وقتٍ ما عن بعض العواصم العربية التي استفردت بها بعض الأنظمة الإقليمية وحولتها إلى أنظمة وظيفية تخدم مشاريع عقيدة من خلال اتباع أيديولوجية لا يمكن للعالم العربي تقبلها، مع الإبقاء على سياسة حسن الجوار والعلاقات الدبلوماسية المستقرة بعيداً عن الخصومات إلا في حال اقتضت الضرورة، وهذا يتعلق بالدور الإيراني في المنطقة العربية على سبيل المثال، سواء في لبنان أو سوريا واليمن والعراق.
الساحة العربية يجب أن تتحد إن أرادت عبور هذه المرحلة بسلام وهذا لا يتحقق إلا باتباع سياسة تصفير المشاكل، وبث روح القيادات الشابة خصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي، من خلال طرحهم للأفكار الخلاقة التي تبيّن أن هناك جيلاً يريد ان يحافظ على النسق القديم لكن بروح عصرية، فالزيارة على أهميتها لكن الكرة الآن في يد العرب وحدهم.
عبد العزيز بدر القطان – كاتب ومفكر – الكويت.
اقرأ أيضاً: ذوبان الجليد بين الولايات المتحدة والسعودية يمكن أن يُبرّد الحرب في اليمن