عندما يحلل أحدهم لنفسه ما يحرّمه لغيره، الطامة الكبرى، لا يجوز لروسيا أن تقوم بالعملية العسكرية الخاصة لحماية مواطني دونباس، فهم بالنسبة للمتشدقين من جماعة حقوق الإنسان والديمقراطية، من الدرجة الثانية، ولا يجوز لكوريا الشمالية أن تطور صواريخ باليستية، بل فقط يجوز للولايات المتحدة الأمريكية أن تطور صواريخ تفوق سرعة الصوت، ولا يجوز للصين أن تحافظ على أمنها القومي، ونكايةً في بكين، زارت نانسي بيلوسي تايوان، وقطاع غزة جزء لا يتجزأ من العالم.
الوكالة العربية للأنباء
لا يجوز من ذلك الكثير، الجائز فقط للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، أينما حلّا يحل الدمار والشر، قد يعتقد البعض أن ما من ربط بين زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى الكيان الصهيوني وما يحدث في غزة، من وجهة نظري هذا خطأ، لأن الزيارة مرتبطة ليس فقط ارتباطا مباشراً بل ارتباطاً وثيقاً، لكن لماذا؟
إن قطاع غزة يشكل العقبة الراسخة في وجه الكيان الصهيوني، شاء من شاء، وألى من أبى، لقد ضرب الكيان الصهيوني الوساطة المصرية للتهدئة بين الكيان وحركة الجهاد الإسلامي، عرض الحائط، وهذا إن دل على شيء إنما يدل أن الولايات المتحدة من جهة تريد تحجيم مصر بالنظر أولاً إلى افتتاح محطة الضبعة النووية مع الجانب الروسي، وثانياً رفضها لصفقات الحبوب الأوكرانية، وجنوحها نحو روسيا، وثالثاً، لأنها فتحت ميناء الحمراء في الإسكندرية للنفط الروسي ووفق زعم الغرب يتم شحن الحمولات النفطية الروسية بمساعدة مصرية، فجاءت الضربة على القطاع لينسف الكيان الصهيوني الذي أخذ الضوء الأخضر الأميركي مسبقاً ربطاً مع المكالمة الهاتفية التي تمت بين وزير الدفاع الصهيوني ونظيره الأمريكي، والأخير لم يعترض لأنه من المؤكد أن الجانب الصهيوني قد أعلن عن نواياه مسبقاً.
فلا يجوز لأي بلد حماية أمنه القومي لا في غزة ولا في روسيا ولا الصين ولا أي مكان في العالم سوى الكيان الصهيوني، لكن ما يثلج الصدور أن قائد الحركة، زيادة النخالة خرج وهدد الكيان الصهيوني بقصف تل أبيب بالصواريخ رداً على عنجهية هذا الكيان المارق، لكن المحزن في هذا الأمر، وقوفه وحيداً وسط إخوانه وأشقائه سواء في الداخل الفلسطيني أو في العالمين العربي والإسلامي، وهذا ما لا سأتطرق إليه، لأن الحديث حوله كمن ينفخ في (قربة فارغة)، لن يحقق من أمره شيئاً، لذلك التعويل الأول والأخير على البواسل من أبطال المقاومة الفلسطينية فهم عزوتنا وهم أهلنا وهم الذين سيدخلون الفرح إلى قلوبنا لا القصور ولا المتاجر ولا السيارات الفارهة التي نراها حولنا، في تقليد أعمى للغرب، دونما تفكير بأهلنا في هذا العالم المنكوب حولنا.
بالعودة إلى زيارة الرئيس الأمريكي، وقد قلتها سابقاً، إن جو بايدن مهندس حروب وعاشق لتقسيم العالم، إن كان في أفغانستان وانظروا الآن إلى حالها، خاصة في ضوء العملية (الوهمية) الأخيرة التي نفذتها القوات الأمريكية في كابول، وإن كان في العراق، مشاهد البرلمان العراقي مؤخراً تلخص الواقع الذي أرمي إليه، وسوريا واليمن والسودان ولبنان وليبيا والقائمة تطول، لقد قتلوا الروح العربية فكيف لقطاع غزة أن يبقى وحيداً وهو يعلم أن دمشق تبكي وبيروت تأن وبغداد نازفة، إلا أنه في بال الولايات المتحدة مخطط خبيث، والجميع يعلم أن الحكومة الصهيونية تعيش أزمات داخلية حالياً، وهنا فرصة لعودة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة مجدداً، لكن الديمقراطي بايدن، والذي قرر أن يترشح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، يعلم أن نتنياهو من مناصري الحزب الجمهوري، ما يعني أنه خصم بايدن ولا يرد له العودة إلى السلطة لضمان الشارع اليهودي على الأقل من وجهة نظر الصقور، الأمر الذي يعني أن لعبة التوازنات بالصواريخ بدأت قبل الذهاب لانتخابات الكنيست المقبلة.
بالتالي، إن غزة وحيدة في مواجهة الطغيان، فهي بكل أمانة تُقصف مراراً بالنار وبالخيانة والغدر، لكن ما من غدر يؤلم أكثر من غدر الأشقاء، وكل الأمل بأن يكون الرد مؤلماً للكيان الصهيوني وبشدة لأن الشعب الفلسطيني ليس بيدقاً لأهداف ومخططات الغرب الاستعماري، بعد كل هذه الهزات والانعطافات نشد على أيدي كل صاحب حق وبتنا نعلم أن ما من حق يعود إلا بيد أبنائه، وفلسطين ولّادة وستبقى تدافع عن الأقصى والقدس وتدحر كل المكائد.
عبد العزيز بدر القطان – كاتب ومفكر – الكويت.
اقرأ أيضاً: حركة الجهاد الإسلامي .. فلسطين من النهر إلى البحر