التحول إلى الاقتصاد الأخضر يواجه مخاطر نقص القوى العاملة الماهرة

يُعَد تسهيل التحول إلى الاقتصاد الأخضر أمرًا بالغ الأهمية للوصول إلى أهداف الحياد الكربوني التي أعلنتها البلدان في أعقاب اتفاقيات المناخ بباريس لعام 2015. وسيؤدي الانتقال إلى اقتصاد محايد كربونيًا إلى توفير 24 مليون وظيفة على مستوى العالم بحلول عام 2030.

وقد أسهم النشاط الاقتصادي بشكل مباشر في نحو 70% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية قبل ظهور جائحة كورونا، وفقًا لتقديرات مؤسسة “عالَمنا في البيانات” البريطانية غير الهادفة للربح.

وستكون للتحوّل إلى عالم محايد كربونيًا تداعيات بعيدة المدى على جميع جوانب الحياة، وسيظهر بشكل خاص في الاقتصاد العالمي، ويُعَد نقص المواهب الخضراء أحد التحديات الناشئة عن هذا التحول، حسب تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

أكد العديد من التقارير العالمية، خلال 2022، أن الاقتصاد الأخضر يحتاج إلى النمو بشكل أسرع لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، وأن أحد التحديات الناشئة يتمثل في العجز المتزايد في المواهب الخضراء لتلائم الوظائف الخضراء الجديدة.

وتشمل هذه الوظائف المهارات التي “تمكن الاستدامة البيئية للأنشطة الاقتصادية”، ليس فقط في تخصصات الهندسة وإنما في التمويل والأعمال والعديد من المجالات الأخرى، بحسب ما نشره موقع شركة فارتسيلا (wartsila) الفنلندية المعنية بتصنيع تقنيات الطاقة المبتكرة.

وتخلص الدراسات، التي نظرت في المهارات والمهام المحددة في بعض هذه الوظائف الخضراء المباشرة، إلى أنها تتطلب مزيدًا من التعليم وتنطوي على مهام تحليلية غير روتينية أكثر من الوظائف غير الخضراء، بحسب كبيرة زميلات السياسات لدى مركز الأداء الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد آنا فاليرو.

الوظائف الخضراء في الحاضر والمستقبل

بين عاميْ 2015 و2021، نمت حصة المواهب الخضراء في القوى العاملة العالمية بنسبة 6% سنويًا، بينما ارتفع عدد الوظائف الشاغرة الخضراء بنسبة 8% في المدة نفسها.

ويقول خبير التنمية الصناعية في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) ماتياس لارسن: “بين جانب العرض والطلب، هناك نوع من التبايُن”. ويضيف: “هناك دائمًا، ولكن في البلدان النامية؛ حيث تتغير الأمور بشكل أسرع، سيكون هناك تباين أكبر.”

وكانت معظم الوظائف الخضراء تقليديًا في قطاع الطاقة، مثل فنّيي توربينات الرياح ومُركّبي الألواح الشمسية، وفق البيانات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

ويرى المحللون أن هذه المعطيات تتغير بسرعة؛ حيث تبدأ قطاعات أخرى من الاقتصاد في التحول إلى اللون الأخضر، وسط تحركات واستثمارات ضخمة لتحقيق الحياد الكربوني.

وتقول زميلة السياسات في مركز الأداء الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد آنا فاليرو: “بالتفكير تحديدًا في المملكة المتحدة أو غيرها من الاقتصادات المماثلة، انطوت تجربة إزالة الكربون حتى الآن على الكثير من الإجراءات في قطاع الطاقة”.

وتضيف: “لكن المرحلة التالية ستتطلب المزيد من الإجراءات في أجزاء أخرى من الاقتصاد مثل النقل، وتدفئة المباني، والبناء.. وستكون هناك أنواع مختلفة من الوظائف.”

وعلى الرغم من ارتباط العديد من الوظائف الخضراء بالدول ما بعد الصناعية؛ فإنّ فئة جديدة من الوظائف ستظهر بسرعة في البلدان الصناعية، حسبما يقول رئيس قسم ريادة الأعمال الريفية وخلق فرص العمل والأمن البشري في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية فيربي ستوكي.

وتتضمن الأدوار وظائف للامتثال للوائح البيئية والاجتماعية والحوكمة الأكثر صرامة، مثل اللوائح المقترحة لدى الاتحاد الأوروبي لتقليل إزالة الغابات وتدهورها.

ويقول فيربي ستوكي: “تحتاج البلدان المستهلكة والمنتجة إلى (نظام العناية الواجبة)، وإلى مجموعة مهارات جديدة تمامًا لإدارة هذه الأنواع من أنظمة التتبع؛ بما في ذلك بالبلدان الصناعية”.

من ناحيتها، تُقدّر منظمة العمل الدولية إيجاد 24 مليون وظيفة خضراء على مستوى العالم بحلول عام 2030 عبر مختلف القطاعات من الزراعة إلى التصنيع عالي التقنية، بحسب ما نشره موقع شركة فارتسيلا (wartsila) الفنلندية المعنية بتصنيع تقنيات الطاقة المبتكرة.

وقال مسؤول التنمية الصناعية لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) ماتياس لارسن: “بين جانبي العرض والطلب، يوجد نوع من التباين، ولكن في البلدان النامية؛ إذ تتغير الأمور بشكل أسرع، سيكون هناك تباين أكبر”.

الاعتماد على المهارات الخضراء

يَشْغل خريجو الجامعات، وكثير منهم لديهم تخصص في (العلوم أو التكنولوجيا أو الهندسة أو الرياضيات)، العديد من الوظائف الخضراء مباشرة، وفقًا لتقرير حديث شاركت في تأليفه كبيرة زميلات السياسات لدى مركز الأداء الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد آنا فاليرو.

وتقول فاليرو: “تميل الدراسات التي نظرت في المهارات والمهام المحددة في بعض هذه الوظائف الخضراء المباشرة إلى تأكيد أنها تتطلب مزيدًا من التعليم وتنطوي على مهام تحليلية غير روتينية أكثر من الوظائف غير الخضراء”.

وتضيف فاليرو: “هذه مهام معرفية ترتبط عمومًا بالعمل الذي يتطلب مهارات عالية. لكن من الصعب أتمتتها.”

وعلى الرغم من المتوقع أن تتغير أنواع المهارات الخضراء مع توسع عدد الوظائف الخضراء بشكل مباشر إلى قطاعات أخرى؛ فإنّ العديد من الوظائف الخضراء ستتطلب مهارات جديدة تتمحور حول التكنولوجيا، بحسب بعض الخبراء.

ويقول رئيس قسم ريادة الأعمال الريفية وخلق فرص العمل والأمن البشري في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية فيربي ستوكي: “كنت أسأل اللاعبين في الصناعة عن أنواع المهارات التي يحتاجون إليها، والردّ الأكثر شيوعًا الذي أحصل عليه هو محو الأمية الرقمية”.

ويضيف: “غالبًا ما يمتلك الشباب هذه المهارات؛ لأن شخصًا ما يحتاج إلى إدخال كميات كبيرة من البيانات في نظام رقمي.”

ويتوقّع الخبراء أن تطور الاقتصاد الأخضر سوف يتوافق مع الثورة الصناعية الرابعة، التي تشير إلى التكامل المستمر للتقنيات الذكية في الصناعات التقليدية.

وتقول فاليرو: “إنّ الكثير من أعمال البناء والتركيب مطلوب في العقد المقبل، وبمجرد أن يصبح كل شيء في مكانه الصحيح، سيكون هناك العديد من الوظائف الخضراء الجديدة المتعلقة بالصيانة”.

وتضيف: “من المرجّح أن تستمر طبيعة العمل والمهام المعنية في التغير خلال المراحل المختلفة من مسار الحياد الكربوني؛ بما في ذلك تطوير ونشر تقنيات نظيفة جديدة”.

موروثات الثورة الصناعية

تمثَّلَ أحد موروثات الثورة الصناعية الأولى في التطور غير المتكافئ الذي حدث، وتسببت تركاته في أزمة المناخ الحالية، ونتيجة لذلك، يرى لارسن وستوكي وفاليرو أن الثورة الصناعية الرابعة تتطلب انتقالًا أكثر إنصافًا، من أجل بلوغ الحياد الكربوني.

وتقول فاليرو: “العديد من هذه الوظائف الخضراء الجديدة هي وظائف آمنة ومستقبلية في عصر قد تنتهي فيه بعض الوظائف”. وتضيف: “من المهم التأكد من أن هذه الأنواع من الوظائف في متناول أولئك الذين قد يكونون مهتمين بها.”

في المقابل، يعتقد لارسن وستوكي أن إحدى طرق القيام بذلك هي التركيز على تعليم أكثر انتقائية قائم على المهارات، المعروف باسم الشهادات المعتمدة الصغيرة، بدلًا من التعليم الجامعي التقليدي، الذي قد يصبح قديمًا بحلول الوقت الذي يتخرج فيه الطلاب.

وعلى الرغم من أن الانتقال إلى الحياد الكربوني سيكون معرقلًا للعديد من الصناعات، تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن الإيجابيات ستفوق السلبيات من حيث خلق فرص العمل ونمو الأجور، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

من بين 163 قطاعًا اقتصاديًا قامت المنظمة بتحليلها، من المتوقع أن يعاني 14 فقط خسائر التوظيف لأكثر من 10 آلاف وظيفة، وفق البيانات التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.

ويخلص خبير التنمية الصناعية في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) ماتياس لارسن، إلى أن “التغيير عادة ما يكون جيدًا، على الرغم من أنه يمكن أن يمثل تحديًا كبيرًا”.

اقرأ أيضًا..